ثلاث مؤسسات إعلامية تقاطع اجتماعاً للمركز السوري في باريس حول خطاب الكراهية

السادة في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير

الزملاء الأعزاء

بعد التحية،

لقد وصلتنا الدعوة الموجهة من قبل المركز السوري للإعلام وحرية التعبير لحضور “الاجتماع التشاوري” في باريس لعدد من المؤسسات الإعلامية السورية التي كانت مشمولة في مشروع دراسة رصد بعنوان “دراسة خطاب الكراهية والتحريض على العنف في الإعلام السوري”، ونود توضيح موقفنا من الدعوة في هذا البيان:

كانت وسائل الإعلام الموقعة على هذا البيان قد شاركت في الدراسة واستجابت لها طواعية لإيماننا بضرورة أن تتخلص المجتمعات السورية من الكراهية التي تحرض عليها وسائل الإعلام، ولاعتقادنا أن إنتاج مثل هذه الدراسات سيشكل نوعاً من الرقابة المعنوية التي تحارب خطاب الكراهية في وسائل الإعلام المحلية وتساعدها على التخلص منه. ورغم حرصنا المستمر على مراقبة خطاب الكراهية بأنفسنا في المحتوى الإعلامي لمؤسساتنا، إلا أننا أعلنا على الفور استعدادنا التام لأن نكون أول من تدقق هذه الدراسة في خطابه الإعلامي، وذلك لافتراضنا أنها ستكون دراسة علمية ومحايدة، وبأنها ستساعدنا على تلافي الأخطاء التي قد نكون لم نتنبه لوجودها سابقاً.

ولكن، ولشد ما يؤسفنا، فإن الدراسة التي أصدرها المركز السوري للإعلام وحرية التعبير أساءت بشكل مقصود إلى الإعلام العامل في مناطق شمال وشرق سوريا، بعد أن أساءت إلى نفسها أولاً، وذلك لما قامت به من توجيه للمعطيات والنتائج، وابتعادها عن مبادئ البحث العلمي الذي يفترض به عدم الانجرار إلى إطلاق الأحكام المسبقة أو تعزيز الصورة السلبية ضد القوميات والأديان، فظهر هذا التوجيه بداية من خلال تخصيص بعض وسائل الإعلام بصفة “الكردية” أثناء البحث في خطابها المحرض على الكراهية، وذلك دوناً عن غيرها من المكونات القومية والدينية، فلم توصف مثلاً وسائل إعلام النظام بوسائل الإعلام “العلوية”، ولا وسائل إعلام المعارضة بوسائل الإعلام “السنية”، ومما لا يخفى على معدي الدراسة أن إطلاق الصفات القومية والدينية على المؤسسات والأشخاص في سياق حدث سلبي هو بحد ذاته خطاب كراهية، فالقول إن تنظيم داعش السني أو النظام السوري العلوي أو المعارضة العربية السورية قد ارتكبت مجزرة ما، سيعزز الأحكام المسبقة والصورة السلبية لدى الآخرين عن السنة والعلويين والعرب، وهي المادة الرئيسية التي تتغذى عليها الكراهية.

ويظهر أيضاً التوجيه والتلاعب الذي قام به معدو هذه الدراسة جلياً في الجداول التي خصصتها لرصد خطاب الكراهية لدى وسائل الإعلام المختلفة، فأظهرت وكأنها لم تتمكن إلا من رصد 34 مصطلحاً ووصفاً مستخدماً لدى وسائل الإعلام المعارضة (مقابل 38 لدى وسائل الإعلام “الكردية”، و53 لدى وسائل إعلام النظام)، في حين أنها كانت في الحقيقة قد تغافلت عن رصد أبواب كاملة في خطاب الكراهية الموجه إلى (سكان منطقة – جماعة عرقية – منطقة جغرافية) من قبل وسائل الإعلام المعارضة، وذلك رغم رصدها في وسائل الإعلام الأخرى، بشكل يوحي وكأن المصطلحات والأوصاف التي تقصدت الدراسة عدم رصدها من قبيل (النظام العلوي – النصيريين – الانفصاليون الأكراد – مجازر القوات الكردية… الخ) هي أوصاف واتهامات “تعتمد على سند أو تبرير” وليست جزءاً من خطاب الكراهية، أضف أن اقتصار الدراسة على تصنيف “الاحتلال التركي” ضمن خطاب الكراهية دوناً عن مصطلحات مشابهة لغوياً (الاحتلال الكردي – احتلال النظام السوري)، يبدو كتعبير عن رأي سياسي يتبناه المركز ويحاول فرضه على وسائل الإعلام التي يرصدها.

إضافة إلى ذلك، كان التوجيه المقصود للدراسة وتضخيمها المتعمد بوجود حاجة مبالغ فيها لمحاربة خطاب الكراهية في الإعلام “الكردي” (ربما لتبرير حصول المركز على تمويل لمشروعه) أن جعلها تخلق صورة مشوهة جداً عن مستويات انتشار الكراهية الفعلية في المجتمعات السورية المختلفة، وأن أوصلت قارئها إلى استنتاج أن انتشار الكراهية في منطقة ما لا علاقة له باستخدام خطاب الكراهية في إعلامها! وهو ما ينفي الحاجة لهذه الدراسة في المقام الأول، فمن يقرأها لن يتخيل أن المناطق التي تنتشر فيها وسائل الإعلام المعارضة، والتي صنفتها الدراسة كالأقل استخداماً لخطاب الكراهية، هي ذاتها التي تنتشر فيها على أرض الواقع كراهية كبيرة إلى درجة اختفاء عديد المجموعات القومية والدينية المختلفة عنها، وذلك بعد انتشار الدعوات لإبادتها، وهي ذاتها التي صدرت منها الكثير من التعبيرات الواضحة عن الكراهية ضد الكرد والعلويين والشيعة والمسيحيين والأرمن والمثليين والمرأة … الخ، وهي التي وصفت الكرد بأكثر الأوصاف حطاً من إنسانيتهم (الأكراد البويجية، الملاحدة الأكراد، الأكراد المهاجرون… الخ). وبالمقابل، فإنه لن يتخيل أن مناطق الإعلام “الكردي” (الأكثر فعالية في نشر خطاب الكراهية بحسب الدراسة) هي ذاتها المناطق التي تعيش فيها مختلف المكونات القومية والدينية بسلام نسبي.

ولكن رغم هذه الأخطاء الكارثية التي جعلت المركز السوري للإعلام وحرية التعبير ينزلق إلى فرض آراءه السياسية وتعزيز الأحكام المسبقة ونشر خطاب الكراهية في دراسته المخصصة لمحاربة خطاب الكراهية، عدا عن فشلها البنيوي في تفسير انتشار الكراهية على أرض الواقع، إلا أننا آثرنا التفاعل الإيجابي معها عبر إبداء موقف نقدي منها ومن مخرجاتها، ونشرت الردود في هذا الصدد، وذلك عن حسن نية بأن الهدف الأساسي للدراسة هو تصحيح مسار الإعلام السوري الجديد، وأن الأخطاء التي وقعت فيها إنما نجمت عن قلة الخبرة وعدم الإحاطة بالكثير من التفاصيل، وهو أمر متوقع نتيجة غياب الدراسات العلمية حول هذه القضية، وكنا على أمل بأن يبدر موقف من قبل المركز السوري للإعلام وحرية التعبير بعد التقرير الذي نشرته إذاعة آرتا إف إم، وأن يتم الرد على مواقف المؤسسات الأخرى، لكن مع الأسف الشديد، أصر المركز على التمسك بأخطائه ووصف الانتقادات الموجهة لدراسته بأنه “غلب على مُعظمها الطابع العاطفي الانفعالي”، واتهم آخرين (دون تقديم سند أو تبرير) بتوجيه الانتقادات “حتى دون قراءة الدراسة” و”تعمد اجتزاء النص وإخضاعه للتأويلات الشخصية لإثبات وجهة نظر معينة”.

أخيراً، نعلن نحن في المؤسسات الموقعة على هذا البيان أننا نقدر تكبدكم عناء توجيه الدعوة لنا، ونرجو منكم التفاعل مع بياننا هذا بإيجابية مماثلة، إلا أننا نعتذر عن حضور اجتماع باريس المحدد من قبل المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، ونرى أن وجودنا سيضفي شرعية على أخطاء لم نكن نتمنى حدوثها، ورغم وعينا بضرورة محاربة خطاب الكراهية في وسائل الإعلام في مناطق شمال وشرق سوريا، إلا أن عدم المهنية التي تسود الدراسة والتشخيص الخاطئ لمواضع هذا الخطاب، تدفعنا للشك في قدرة مركزكم على قيادة مشروع يحارب خطاب الكراهية بفعالية، وهو ما يمنعنا من الاستمرار فيه ودعمه، ما لم يتم التراجع عن الدراسة ونتائجها وإجراء حوار جدي مع المؤسسات المعنية للبدء مجدداً بشكل سليم.

المؤسسات الموقعة على البيان:

شبكة آسو الإخبارية

إذاعة آرتا إف إم

موقع روك أونلاين

كلمات مفتاحية

الإعلام المركز السوري للإعلام وحرية التعبير خطاب الكراهية آرتا إف إم روك أونلاين آسو